من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
محاضرة في فتن هذا الزمان ومقاومتها
10304 مشاهدة
سبيل النجاة من الفتن

وبعد أن عرفنا هذه الأمثلة من الفتن نذكر جملة واحدة تكفي في القضاء عليها, أو في النجاة منها. فنقول: سبيل النجاة من هذه الفتن هو: العلم.. العلم الصحيح هو الذي يكون سببًا ووسيلة إلى أن تكون ناجيًا من هذه الفتن, فإن الإنسان إذا رزقه الله علمًا, ورزقه بصيرة, ثم نقول: العلم هو: العلم بالله, وبشرع الله, وبحدوده وبحقوقه, وبِوَعْدِهِ ووعيده, ليس مجرد ما يُسَمَّى عِلْمًا.
عليك أولًا: أن تتعلم.. تَعْرِفَ أنك عبد مملوك, مخلوق في هذه الدنيا لست بمهمل, ولست بمخلوق سُدى.
ثم بعد ذلك عليك أن تعرف أن الله ربك, ومالكك وهو الذي خلقك وهو الذي يتصرف فيك, تعرف ذلك بالتفصيل والأدلة.
ثم تعرف بعد ذلك أن ربك الذي ملكك, والذي هو يتصرف فيك, هو الذي أنعم عليك, وأنك لا تنفك في وقت من الأوقات من نعمه, وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا وهذه ثلاثة أشياء .
بقي شيء رابع وهو: أن تعرف أنك متى عرفت أنك مخلوق, وأن لك خالق رازق, وأنك لا تنفك عن.., وأنك محتاج إليه في كل حالاتك, وأنك مملوك له, وأنك .. أن نعمه تَتْرَى عليك وتتوالى, فلابد أن تعرف أيضًا أنه قد كَلَّفَكَ..قد أمرك ونهاك..أمرك بأوامر وبعبادات, وفرضها عليك, وحَذَّرَك ونهاك عن محرمات, وحذرك عنها, وأمرك بالابتعاد عنها. فهذه الأشياء لا بد أن تعرفها, ثم بعد ذلك تبحث عن تلك الأوامر, تبحث عنها. فتجدها- والحمد لله- ميسرة مُفَصَّلَة, فتقرأ القرآن, وتقرأ كتب أهل السنة كالصحيحين ونحوهما, فتجد فيهما الشفاء النافع, والدواء الناجع, وتجد فيهما العلاج لكل مرض وداء, فتجد فيهما أولًا: أن الله تعالى فرض العبادات, ومن العبادات: الصلوات والطهارات وما أشبه ذلك, وسائر أركان الإسلام.
وأنه تعالى أباح هذه المباحات, وهذه المعاملات التي يتمتع بها الإنسان حتى تقوم بها حياته, وأنه حَرَّمَ هذه المحرمات ونحو ذلك. إذا عرفت ذلك تعرف شيئا آخر, وهو: الثواب والعقاب, وهو: أن الله تعالى إذا حافظ العبد على هذه العبادات, والتزم بها أثابه, وكذلك إذا اجتنب هذه المحرمات- امتثالًا لأمر الله- أثابه وأعظم أجره.
وهكذا أيضًا إذا اقْتَرَفَ هذه المحرمات, وتهاون بها, عاقبه, أو ترك هذه الواجبات, عاقبه.
وأيُّ عقوبة! عقوبة عاجلة, وعقوبة آجلة.. كما أن الثواب يكون عاجلًا ويكون آجلًا.
فإذا عرفت ذلك كله, فكيف مع ذلك تعصي الله؟ كيف تنخدع إلى معصيته؟! لأنك الآن عرفت ما تعتقده, عرفت العقيدة السليمة حتى لا تنخدع بالدعاة بالضُّلَّال- مثلًا- بالمبتدعة والمعتزلة والرافضة ونحوهم, فسلمت عقيدتك, بعد أن قرأت عقيدة السنة, وتمسكت بها, أمِنْتَ أن تفتتن بدعاتهم. كذلك أيضًا عرفت أن الله تعالى أمرك ونهاك, وعرفت الأوامر والنواهي, وعَرَفْت الثواب والعقاب على هذه وعلى هذه, فحملتك هذه المعرفة والتصديق الجازم على ألا تقبل دعايات مَنْ يدعوك إلى التكاسل عن الطاعات, ولا مَنْ يدعوك إلى الوقوع في المحرمات, وتعتبرهم دعاة شر وفتنة, يبتلي الله بها الجهلة ونحوهم.